الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
لا تصالح بين قسد والائتلاف..
عمار ديوب

يشكل الضعف الشديد الذي آل إليه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والرغبة الأمريكية بفتح قسد الحوار الجاد مع المجلس الوطني الكردي ومع الائتلاف سبباً لكثير من الأوهام لدى تيارات من المعارضة وبأنه الحل الوحيد، وقد ضَيّقت تركيا وأمريكا على حلفائها من المعارضات أن يتقاربوا ويتحابوا، وأن هذا أضعف الإيمان، وهو المدخل السليم لاستعادة القضية السورية كقضية وطنية.

إن علاقات قسد بالنظام وإيران وأمريكا وطموحاتها القومية، وعلاقات الائتلاف بتركيا، والوزن الثقيل للإخوان فيه، تمنع تشكل هذه العلاقات بشكل حاسم. أيضاً ممارسات قسد والائتلاف ومنذ تشكلها تمنع عنها ذلك، حيث لكلٍ منها مقاربات عنصرية ضد الآخر، وبالتالي لا إمكانية لتحقيق ذلك التقارب، ولن يتغيّر الأمر إن تعددت مصادر الدعم لقسد وللائتلاف ولم تقتصر بصورة أساسية على أمريكا وتركيا.

إن أوضاع الائتلاف في ظل التقارب بين روسيا وتركيا تمنعه من أن يمتلك أيّة مقاربة وطنية للشأن السوري، والأمر ليس راهناً، هو مرتبط بإعادة أشكال من العلاقة بين النظام وتركيا، وأقواها الأمني. قسد بدورها لا تنطلق أصلاً من المقاربة الوطنية، وتحدد رؤاها بمشروعها في الإدارة الذاتية كمرتكز لكل ما يتعلق بسوريا، وهذا ما أضعف صلاتها بحلفائها ضمن قسد ومسد، وبالتأكيد أعماها ومنعها من أن ترى سوريا كمرجعية لرؤاها.

إن القول بضرورة التصالح يأتي من شد الضعف في الحالة السورية المعارضة بعامة، ومن التردي الخطير الذي أصبحت عليه سوريا؛ فهي لم تعد فقط ورقة بيد التحالفات الإقليمية والدولية، بل أصبحت ورقة منسية، وليست على أيّة طاولة فاعلة، وبالتالي إلى مزيدٍ من التمزق والتفكك والتعفن والشتائم المتبادلة بين "المكونات".

الضعف هذا يدفع إمّا نحو خياراتٍ خارج النظام والمعارضة المكرّسة، وإمّا استمرار التعفن عبر قوى الأمر الواقع هذه. خارج النظام والمعارضة هناك شعور عارم بالمرارة والهزيمة والضعف، وعدم القدرة على الفعل، والشعور العالي بالإحباط. الأسوأ غياب أية صلات بين كتل المعارضات والقوى المقربة أو المستقلة عن النظام، وأيضاً مشاريع قسد أو المجلس الوطني أو الائتلاف في التواصل مع قوى سياسية وثقافية مستقلة غير ذي معنى أو أهمية على الإطلاق، وكذلك التحالفات الهامشية التي تُدخِلَها قسد إلى قواها أو الائتلاف. هذه حركات هزيلة وتذاكي رخيص على الساحة السورية السياسة، أي انظروا لقد أنشأنا تكتلاً أو تنسيقاً جديداً، ومن هذه البضاعة الفاسدة.

السياسة في سوريا أصبحت مسخرة خالصة، للأسباب أعلاه، وللممارسات الواقعية لتلك القوى، والتي لا تتجه أبداً نحو طرح مشكلات سوريا الحقيقية، وأين أصبحت أوضاع البلاد من احتلالات وأزمات اقتصادية واجتماعية ودمار وتفكك مجتمعي، عنصري وديني وجيلي ووضع التعليم والأمية، ومبررات وجود أربع سلطات في سوريا، وكلها تمتلك جيوشاً تابعة لهذه الدولة أو تلك، وهناك ملف نهب الثروات والفساد، وكذلك ملف المعتقلين واللاجئين، والتفريغ السكاني الكبير.

قضايا سوريا هذه تتراجع لصالح قضايا تتعلق بكيف ندعم حكومة الائتلاف الوطني أو قسد، وحتى هيئة تحرير الشام تحاول تجميل وجهها الجهادي بفتح صلات مع المسيحيين والدروز في إدلب، وعقد بعض اللقاءات المجتمعية، لتُظهِر نفسها ممثِلة للمجتمع المحلي وليست مُنزَلة إليه عبر تركيا والدول الضامنة لمسار أستانا ودول أخرى، النظام لا يرى سلطات أخرى غيره، ولا يرى شعباً يعاني، لا شعبه ولا بقية "شعوب" سوريا، في الداخل وفي الخارج وفي المخيمات. هذه القضايا ليست مدخلاً لأي جديد للوضع السوري، هي مداخل من أجل تأبيد سلطات الأمر الواقع، والتي سيتم تكنيس أغلبيتها حينما يُنفَضُ الغبار عن الورقة السورية وتعود إلى طاولة التفاوض، وهذا لا بد سيحصل في المستقبل.

لا تصالح بين قسد والائتلاف، وليس من الضرورة هدر الكثير من الجهد في البحث عن مخرجٍ للوضع السوري من هذه الزاوية، وكأننا نكتشف الذرة. إذا كان هناك جادون من أجل التصالح، فيجب أن يبتعدوا عن مقاربة الوضع انطلاقاً مما ذكرنا.

إن مقاربة الوضع السوري لها مدخلان وطنيان:

الأوّل، ويتعلق بالفاعلين السياسيين والمثقفين من كل القوميات، وانطلاقاً من قضية التغيير الديموقراطي، وأنّه المدخل نحو إقامة نظام سياسي جديد يعتمد على الحوار بشكل لا عودة عنه؛ الحوار الديموقراطي بين هذه الفئات أعلاه هو الضروري ولطيِّ كافة القضايا السورية الإشكالية، توزع الثروة، إعادة الإعمار، المسألة الكردية، وسواها.

المدخل الثاني، إقامة علاقات متعدّدة الأوجه بين السوريين في "السوريات" المتعددة، والبحث عن أشكال من التقارب.

هناك مدخل ثالث ولا أراه احتمالاً قويّاً، وينطلق من إسقاط المعارضة المكرّسة حالياً وتشكيل معارضة جديدة، تُعيد طرح القضية السورية، بعيداً عن تركيا أو أمريكا أو الخليج، ويكون مكانها أوروبا، وتتبنى نظاماً داخلياً، يعتمد الشفافية في كافة نشاطاتها، ولا سيما بما يتعلق بالتمويل أو السياسات، ونزاهة ممثليها السياسيين.

 

ليفانت - عمّار ديّوب

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!